کد مطلب:240922 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:129

ان للقلوب إقبالا و إدبارا
روی الشیخ المجلسی طاب ثراه من كتاب النزهة قال مولانا الرضا علیه السلام:

«... إن للقلوب إقبالا و إدبارا و نشاطا و فتورا فإذا أقبلت بصرت و فهمت، و إذا أدبرت كلت و ملت، فخذوها عند إقبالها و نشاطها، و اتركوها عند إدبارها و فتورها» [1] .

الأصل لهذا المعنی قول أمیرالمؤمنین علیه السلام: «إن للقلوب شهوة و اقبالا، و إدبارا، فأتوها من قبل شهوتها و إقبالها؛ فإن القلب إذا أكره عمی» [2] .

قال ابن أبی الحدید: و العلة فی كون القلب یعمی إذا أكره علی ما لایحبه؛ أن القلب عضو من الأعضاء، یتعب و یستریح كما تتعب الجثة عند استعمالها و أحمالها، و تستریح عند ترك العمل، كما یتعب اللسان عند الكلام الطویل، و یستریح عند الإمساك، و إذا تواصل إكراه القلب علی أمر لایحبه و لایؤثره تعب؛ لأن فعل غیر المحبوب متعب؛ ألا تری أن جماع غیر المحبوب یحدث من الضعف أضعاف ما یحدثه جماع المحبوب، و الركوب إلی مكان غیر محبوب متعب و لایشتهی، یتعب البدن أضعاف ما یتعبه الركوب إلی تلك المسافة إذا كان المكان محبوبا، و إذا أتعب القلب و أعیا، عجز عن إدراك ما نكلفه إداركه، لأن فعله هو الإدراك، و كل عضو یتعب فإنه یعجز عن فعله الخاص به، فإذا عجز القلب عن فعله الخاص به و هو العلم و الإدراك، فذاك هو عماه [3] .

و القول العلوی الآخر: «إن للقلوب إقبالا و إدبارا، فإذا أقبلت فاحملوها علی النوافل، و إذا أدبرت فاقتصروا بها علی الفرائض» [4] .



[ صفحه 150]



قال الشارح: لاریب أن القلوب تمل كما تمل الأبدان، [5] و تقبل تارة علی العلم و علی العمل، و تدبر تارة عنهما، قال علی علیه السلام: فإذا رأیتموها مقبلة أی قد نشطت وارتاحت للعمل فاحملوها علی النوافل، لیس یعنی اقتصروا بها علی النافلة، بل أدوا الفریضة و تنفلوا بعد ذلك، و إذا رأیتموها قد ملت العمل و سئمت فاقتصروا بها علی الفرائض، فإنه لاانتفاع بعمل لایحضر القلب فیه [6] .

فظهر من كلام الرضا علیه السلام المراد من إقبال القلوب و إدبارها. و لمزید الإیضاح نذكر ما جاء أیضا عن أمیرالمؤمنین علیه السلام و منه قوله: «إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة»، [7] والآخر: «كان أمیرالمؤمنین علیه السلام یقول: «روحوا أنفسكم ببدیع الحكمة؛ فإنها تكل كما تكل الأبدان» [8] .

المل: النصب و الضجر المسبب عما لایلائم الإنسان من عمل أو غیره و الكل: الإعیاء و الثقل و منه الحدیث: «ملعون من ألقی كله علی الناس»، [9] أی ثقله، و لعل المل فی الجسم و غیره، و الكل فی الأجسام فقط فلا یقال (كل روحی - و یقال: مل).

و كیف كان فقد قال ابن أبی الحدید: المراد أن لایجعل الإنسان وقته كله مصروفا فی الأنظار العقلیة فی البراهین الكلامیة و الحكمیة بل ینقلها من ذلك أحیانا إلی النظر فی الحكمة الخلقیة فإنها حكمة لاتحتاج إلی اتعاب النفس و الخاطر فأما القول فی الدعابة فقد ذكرناه أیضا فیما تقدم و أو ضحنا أن كثیرا من أعیان الحكماء و العلماء كانوا ذوی دعابة مقتصدة لامسرفة فإن الإسراف فیها یخرج صاحبها إلی الخلافة و لقد أحسن من قال:



أفد طبعك المكدودبا لجد راحة

یجم و علله بشی ء من المزح



و لكن إذا أعطیته ذاك فلیكن

بمقدار ما یعطی الطعام من الملح [10] .



و أجمل ما یتحف به القلوب الملولة و النفوس الكلیلة الحب و الأمل و النشاط و فی نبوی «كل لهو المؤمن باطل إلا فی ثلاث: فی تأدیبه الفرس، ورمیه عن قوسه، و ملاعبته امرأته فإنهن حق» [11] .



[ صفحه 151]



و مما یذهب بالملال لقاء الأخلاء لأن الخلیل یسكن إلا فی كثیر من الحالات الطارئة، إلا أن استرسال السكون لیس بمطلوب و قد جاء «عثرة الاسترسال لاتستقال». [12] .

نعم الاسترسال مع الأئمة الطاهرین علیهم السلام و المكالمة معهم بل الحب المفرط لهم مطلوب لأن من أحب الله أحبهم و لاینفك حبه تعالی عن اتباعهم الذی هو المتابعة للرسول صلی الله علیه و آله، قال تعالی: «قل إن كنتم تحبن الله قاتبعونی یحببكم الله» [13] .

و المتحصل: أن عامل الحب ذاهب بكل كل و مل خاصة التبادل مع من تسكن النفس إلیه و یطمئن القلب به و خاصة مع الله عزوجل تسكن النفوس و بذكره تطمئن القلوب و قد دعا العباد بلطف فقال تعالی: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» [14] بفناء رحمته تحط الرحال، و علیه تعكف الآمال و به لابسواه یتحقق الرجاء لأنه منه و إلیه.



[ صفحه 152]




[1] البحار 354 - 353/78، إحقاق 582:19.

[2] النهج 11:19، الحكمة 189.

[3] شرح النهج 11:19.

[4] النهج 219:19، الحكمة 318.

[5] في العلوي: «إن هذه...» النهج 246:18.

[6] شرح النهج 219:19.

[7] النهج 246:18، الحكمة 89.

[8] أصول الكافي 48:1، باب النوادر، الحديث 1.

[9] مجمع البحرين في «كلل»، الوسائل 18:12.

[10] شرح النهج 16:19، الحكمة 193.

[11] الوسائل 361:8.

[12] غرر الحكم 221.

[13] آل عمران: 31.

[14] الرعد: 28.